01/01/2023 17:30:09
الاخبار العالمیه
الجيش العراقي.. الأسطورة التي صنعتها القومية العربية وقتلتها الطائفية
الجيش العراقي.. الأسطورة التي صنعتها القومية العربية وقتلتها الطائفية
في فجر يوم السادس من يونيو/حزيران عام 2014، اخترقت المئات من سيارات الدفع الرباعي المُحمَّلة بمقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الصحراء الممتدة على حدود غرب العراق مع شرق سوريا دون أن يعترضها عارض يُذكَر. وقد رفرفت فوق كل سيارة منها راية سوداء نطقت عن أصحابها المقاتلين ذائعي الصيت حينئذ، علاوة على مدفع رشاش مُوجَّه للجميع. سرعان ما أسقط مقاتلو تنظيم الدولة عددا من المدن العراقية والسورية الواحدة تلو الأخرى، حتى وصلوا إلى مدينة الموصل الشمالية الحيوية وأخذت سياراتهم تجوب شوارع المدينة وفي مقدمتها جثث مصلوبة ومحروقة للجنود العراقيين. في غضون أربعة أيام، سيطر المقاتلون على المدينة برُمَّتها بالتزامن مع انسحاب وفرار ثلاث فِرَق من الجيش العراقي قُدِّرَت أعدادها بـ50 ألف مقاتل، تاركين وراءهم أزياءهم العسكرية وأطنانا من أحدث الأسلحة والمعدات الأميركية، بما في ذلك دبابات صارت في حوزة التنظيم الذي واصل بها مهمة السيطرة على ثلث مساحة العراق، وما لبث التنظيم أن أعلن بعدها بأسابيع "الخلافة الإسلامية" في قلب جامع الموصل الكبير. (1) وجَّهت تلك الانهيارات الأمنية رسائل سريعة للولايات المتحدة التي استشعرت خطرا هائلا من سقوط العراق كاملا بعد أكثر من عقد على غزوها إيَّاه. قبل تلك اللحظة، لم يكن أحد ليتوقع ذلك الانسحاب السريع للجيش الذي بلغ تعداده نحو 600 ألف مقاتل، وأنفقت الولايات المتحدة في تدريبه أكثر من 25 مليار دولار، فضلا عن مليارات الدولارات التي أنفقتها السلطات العراقية على الأسلحة الأميركية مثل مقاتلات "إف-16" ومروحيات الأباتشي ودبابات "إم-1" وصواريخ هيلفاير وغيرها من الأسلحة. وقد قال وزير الدفاع الأميركي آنذاك أشتون كارتر إن الجيش العراقي لم يملك النية أو الإرادة لمحاربة بضعة آلاف من الجهاديين، في إشارة مبطنة إلى "خيانة" في الصفوف الأولى لقادة الجيش. ومع صعوبة إيجاد أسباب منطقية لما حدث، تبقى الحقيقة الثابتة أن الولايات المتحدة مارست لعقود طويلة سياسات متناقضة تجاه الجيش العراقي، فقد دعمته تارة بمليارات الدولارات، وتارة أخرى استهدفت إضعافه بعد إسقاط نظام "صدام حسين"، وأعاقت ظهور جيش بقوة سابقه نفسها قبل الغزو. هذا واحتل العراق قبل الغزو مكانة بين أقوى جيوش المنطقة، قبل أن يهوي بعد 2003، وتقف ضد محاولات إحيائه عوائق شتى في الداخل والخارج انبثقت من بنية الدولة والسياسة الجديدة في العراق طيلة العقدين الماضيين. الجيش العراقي.. التاريخ وحده لا يكفي على مدار تاريخه البالغ نحو مئة عام منذ تأسيسه سنة 1921، خاض الجيش العراقي خمس حروب نظامية كبرى، هي حرب فلسطين عام 1948، وحرب أكتوبر عام 1973 عندما أوقف العراقيون الهجوم الإسرائيلي على دمشق، والحرب العراقية-الإيرانية الدامية عام 1980، والغزو العراقي للكويت عام 1990 والعملية عاصفة الصحراء التي تلته، وأخيرا الغزو الأميركي للعراق عام 2003. على مدار تلك الحروب قاتل جنود الجيش العراقي في ظروف مختلفة ومتناقضة أحيانا. فقد كان شريكا عربيا يقاتل ضمن الصفوف العربية إقليميا خلال حرب فلسطين وبعدها في حرب أكتوبر، ثم قاتل ضد العرب إبان غزو الكويت بعد أن تحالفت واشنطن مع معظم الدول العربية الكُبرى لرد الاعتداء العراقي، وبينهما في الحرب مع إيران التي استمرت قُرابة العقد وأدت إلى مقتل مليون شخص، وهناك برز العُنصر المذهبي السني-الشيعي لأول مرة، لا سيما وقد ضمَّ الجيش العراقي في صفوفه عشرات الآلاف من الشيعة العراقيين الذين جُنِّدوا للقتال لصالح النظام ضد نظام الثورة الإسلامية في إيران، رغم أن قطاعا كبيرا منهم تعاطف بطبيعة الحال مع الثورة الشيعية وزعيمها آية الله الخميني. دونا عن غيره من جيوش العرب إذن، خبر الجيش العراقي بنفسه شتى العقائد العسكرية وتعقيداتها القومية والمذهبية والإقليمية. ولفهم المأزق الأيديولوجي الحالي ومدى تغلغل الانقسام الطائفي داخل الجيش الذي يعود إلى ما قبل 2003، ربما يتعين علينا أن نعود إلى دور حوزة النجف (أعلى سُلطة دينية لشيعة العراق) أثناء الحرب الإيرانية، إذ رفض المرجع الشيعي وقتها آية الله "الخوئي" إصدار فتوى الانضمام للجيش، وخضع للإقامة الجبرية بعد قوله: "إن صدام حسين سفك ما يكفي من الدماء الشيعية". ثم برزت المُعضلة أكثر حين غزت الولايات المتحدة العراق، وامتنعت الحوزة عن إصدار فتوى الجهاد ضد المُحتل، بل إن آية الله "علي السيستاني"، أعلى سلطة شيعية حينها، أصدر فتوى طالب فيها أنصاره بالحياد وعدم مقاومة القوات الأميركية، وهي فتوى لعبت دورا مؤثرا في إسقاط نظام البعث، الذي حمَّله البعض نصيبا من اللوم بسبب سياساته المناهضة للشيعة طيلة فترة استبداده بالسلطة. وحين فرغت الولايات المتحدة من إسقاط صدام ونظامه، بات الجيش العراقي عنصرا غير مرغوب فيه في نظر واشنطن. وفي فترة وجيزة لم تتجاوز أسبوعين من الغزو، أمر الحاكم المدني الأميركي الذي حكم العراق "بول بريمر" بحل الجيش المُكوَّن حينها من 400 ألف جندي، وتفكيك المؤسسات الاستخباراتية وأجهزة الأمن وحلِّ حزب البعث ومنع كبار المسؤولين البعثيين من تقلُّد مناصب حكومية. في المقابل، صعد نجم القوى السياسية الشيعية الجديدة التي نالت حظوة واشنطن وطهران على السواء رغم عداء البلدين، وصنعت بذلك معادلة جديدة للحُكم هيمن بموجبها العنصر الشيعي وهُمِّشَ نظيره السُّني، على نقيض الوضع في زمان صدام. وللمفارقة، فإن بعض مَن تبقوا من ضباط الجيش العراقي، وفي غضون عقد واحد، التحقوا بتنظيم الدولة في تجلٍّ صريح للمتتالية الطائفية التي رسمت ولا تزال ترسم مصير الدولة والسلاح في العراق، لا سيما وقد منحهم التنظيم رواتب أكبر من تلك التي وصلتهم بعد التقاعد وتراوحت بين 50-150 دولارا شهريا. وقد استمر صعودهم حتى وصلوا إلى منصب الرجل الثاني داخل التنظيم (كان إياد الجميلي، نائب البغدادي، ضابطا في جهاز المخابرات العراقي في عهد صدام)، طلبا للثأر ليس إلا، كما ربطتهم بالبغدادي نفسه صِلات وطيدة، إذ كان قادة الصف الأول سجناء معه أثناء الاحتلال الأميركي. (2) الجيش الضعيف.. والميليشيات القوية لم يكن حل الجيش العراقي القديم القائم على الولاء لحزب البعث وتأسيس جيش آخر مكانه في غضون ثلاثة أشهر عملية بسيطة كما بدت لأصحابها للوهلة الأولى، فالنظام الجديد الذي هيمنت عليه القوى الشيعية لم يكن ديمقراطيا بالمعنى الغربي، ولكنه استند في جوهره إلى نظام المحاصصة الطائفية بين الشيعة والسنة والأكراد بعد انتخابات 2006، التي فاز بها رئيس الوزراء الأسبق "نوري المالكي". ومن ثمَّ بات الجيش الجديد مركزا لتلك المنافسات الطائفية، وسيطر البيت الشيعي على قيادة الجيش، ورغم أن المؤسسة العسكرية الجديدة كانت بلا خبرة فعليا بعد تسريح جيل كامل من الضباط السُّنة، فإن السلطة الجديدة ضغطت على الولايات المتحدة لتدريب وتجهيز مئات الآلاف من ضباط الجيش والشرطة العراقيين في أسرع وقت، دون التأكد بالضرورة من جودة نتائج هذه التجهيزات. الأهم من ذلك أن سياسات المالكي نفسها أسهمت في إضعاف الجيش العراقي، فقد خشي الرجل أيضا انقلابا محتملا إن اهتم بإعادة تأسيس جيش حقيقي، لا سيما في بلد لديه تاريخ طويل من محاولات الانقلاب وتسييس الجيش. فقد وقع أول انقلاب شهدته الدول العربية بعد الاستقلال على يد الجيش العراقي حين أطاح الفريق "بكر صدقي" بالحكومة قبل 86 عاما، وتبعته سلسلة انقلابات انتهت بتنصيب صدام حسين، وسرعان ما استفاد الرجل من قراءة المشهد، فمنح قوات الحرس الجمهوري مكانة فريدة في المؤسسة العسكرية، وجعلها قوة هجومية رئيسية تفوق في قدرتها الجيش النظامي كي تكون حارسا مُخلصا للنظام الانقلابي الوليد حينئذ. لم تكُن فكرة تأسيس كيان عسكري موازٍ جديدة إذن على العراق لمحاصرة الجيش سياسيا، وعلى النهج نفسه سار المالكي وأسس جيشا موازيا، فجعل قوات جهاز مكافحة الإرهاب (الذي أُطلق عليه لاحقا "جيش المالكي الخاص") خارج سلطة وزارتي الدفاع والداخلية، واستخدمه لمهاجمة المعارضين وترهيب كبار المنتقدين، كما صنع شبكة ولاءات عبر ترقية الضباط أصحاب الثقة على حساب ذوي الكفاءة، مع التصفية الأيديولوجية المستمرة للمعارضين المحتملين. (4) في النهاية، نجحت الولايات المتحدة في إضعاف الجيش العراقي كما أرادت، وسار على نهجها الحكام العراقيون بعد الغزو بإهمال التدريب، فتآكلت قوة الجيش ومعنوياته، كما ضربه الفساد من كل جانب، حتى إن الجيش بات محض تجارة رابحة لكبار الضباط، إذ كشفت سجلات وزارة الدفاع العراقية عن خمسين ألف اسم وهمي لضباط عراقيين كانت مخصصاتهم تذهب إلى كبار الضباط طيلة سنوات دون رقيب أو حسيب. وساهمت تلك الممارسات في تقديم معلومات زائفة عن قوة الجيش وفعاليته، قبل أن تأتي اللحظة الفارقة بغتة بسقوط الموصل عام 2014، فانكشف أولئك القادة وفرُّوا من الميدان، وتركوا جنودهم يُذبحون على أيدي تنظيم الدولة، الذي هزم الأمن العراقي دون مقاومة تُذكر. ورغم أن ميزانية قطاع الأمن السنوية أكبر من ميزانيات التعليم والصحة والبيئة في العراق مجتمعة، إلى جانب عشرات المليارات التي قدمتها واشنطن منذ عام 2006، فوجئ العراقيون بأن قواتهم لا تملك السلاح المناسب للقتال، وأن كثيرا من عقود التسليح كانت نسجا من الخيال. بينما ظن كثيرون أن مهمة وقف تمدد تنظيم الدولة الذي ابتلع ثُلث العراق ستؤول إلى الجيش النظامي، فإن المؤسسة العسكرية لم تكن لتنجح أبدا في الحقيقة بدون الدعم المباشر من جهاز مكافحة الإرهاب، ودعم "الحشد الشعبي" الذي تشكَّل بموجب فتوى "الجهاد الكفائي" التي أطلقها آية الله علي السيستاني عام 2014. فقد تشكَّلت تلك الميليشيات لحمل السلاح وسد الفراغ الذي خلَّفه انهيار الجيش. بيد أن تأسيس الحشد مَثَّل نقطة تحوُّل مهمة، إذ توسعت أعداده وسلطاته ونفوذه منذ ذلك الحين. ويبلغ عدد قوات الحشد الشعبي حاليا نحو 170 ألف مقاتل طبقا للأرقام الرسمية، أي نصف تعداد الجيش نفسه، وهو يخضع للهيمنة الشيعية رغم وجود بعض التمثيل السني والمسيحي، كما أنه حاز قوة سياسية وعسكرية تحوَّل معها إلى جيش موازٍ يزداد قوة يوما بعد يوم، في حين يزداد الجيش النظامي شيخوخة وضعفا، ومن ثمَّ لم يعُد ممكنا حلُّه أو مواجهته في الوضع الراهن، بل إن الحشد الآن لا يلتزم بقرارات القائد العام للقوات المسلحة كما نصَّ القانون العراقي. بين مطرقة واشنطن وسندان طهران يحتل الجيش العراقي حاليا المرتبة 34 عالميا والرابعة عربيا، طبقا لتصنيف موقع "غلوبال فاير باور" الأميركي، وقد حقق قفزة في ذلك التصنيف بعدما كان ترتيبه عام 2021 السادس عربيا و57 عالميا من مجموع 140 دولة شملها المؤشر. وبينما حقق العراق نظريا قفزة لافتة بتقدمه 23 مرتبة، فإن ذلك التصنيف لا يعكس الواقع الحقيقي الذي يعيشه العراق أو جيشه، أضف إلى ذلك تأثره بحالة الانسداد السياسي وتعقيدات تشكيل الحكومة التي حالت دون إقرار موازنة العام المالي 2022، قبل الاستقرار أخيرا على رئيس الوزراء "محمد شياع السوداني" في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بعد أزمة سياسية استمرت طيلة العام، وهي الأطول منذ الغزو الأميركي. في قلب تلك الأزمة، تبرز معضلة هيكلة الجيش العراقي الذي لم يتجاوز بعد الجراح الغائرة التي لحقت به بعد قرار حلِّه عام 2003، ثم تشكيل جيش جديد، مما فتح الباب أمام تفشي حمل السلاح خارج الإطار الشرعي للدولة وتزايد عدد الميليشيات، التي تُقدِّم لأتباعها امتيازات مالية وسياسية. في غضون ذلك، تواجه المؤسسة العسكرية النظامية خطر الشيخوخة بسبب إلغاء التجنيد الإلزامي. وبينما تقل أعداد المُقبلين على التجنيد، فإن الأوراق الرسمية تشير إلى ارتفاع النفقات العسكرية مقابل نقص أعداد العاملين. فعلى سبيل المثال، بلغت قيمة المخصصات العسكرية في الموازنة العامة لعام 2021 نحو 18.7 مليار دولار، ما دفع البرلمان إلى مناقشة مشروع قانون إعادة التجنيد الإلزامي، لا سيما مع عزوف الشباب عنه. وقد سبق أن دفع نقص الأعداد في الجيش النظامي الولايات المتحدة إلى إيقاف برامج التدريب، حيث يُفضِّل العراقيون حتى الآن الانضمام إلى الكيانات المسلحة الموازية مثل "الحشد الشعبي"، حيث أصدر نوري المالكي سابقا قرارا سمح للميليشيات المدعومة من إيران بدور رسمي في قتال تنظيم الدولة، مثل ميليشيا "بدر" التي ظفرت في الحكومة السابقة بحقيبة وزارة الداخلية. علاوة على ذلك، سُحِبَت من الجيش سلطة اتخاذ القرارات الميدانية بعد إنشاء مكتب القائد العام، الذي أرفق مهام القيادة العسكرية مباشرة بالرئاسة، وهو أمر زاد من جاذبية العمل في المؤسسات شبه العسكرية. ورغم أن القانون يُلزم تلك الكيانات بالخضوع لسلطة وزير الدفاع، فإن الواقع يشي بأنها تتمتع بسلطة أكبر منه، بل إن الجيش يجد نفسه مضطرا للتعامل معها رغم أنها حدَّت من نفوذه في كثير من الأحيان. (5) لا يستطيع الجيش ولا أي سلطة سياسية في العراق نظريا إصدار قرار بحل ميليشيا الحشد الشعبي، ولا حتى المرجع الديني السيستاني نفسه الذي أصدر فتوى بتأسيسها. حول ذلك الأمر يقول "رانج علاء الدين"، الزميل الزائر بمركز بروكينغز: "قد ينجم عن ذلك (حل السيستاني للحشد الشعبي) تقويض المؤسسة الدينية الشيعية في العراق". بيد أن أكبر ما يعوق الجيش هو النظام السياسي نفسه الذي قامت عليه البلاد منذ انتخابات عام 2006، إذ رسَّخ ضمنيا مبدأ المحاصصة الطائفية في مؤسسات الدولة. وقد طالب العراقيون عبر التظاهرات التي انطلقت في أكتوبر/تشرين الأول 2019 بالعدول عن تلك السياسة وتأسيس حكومة مدنية حقيقية في العراق، بيد أنها دعوات لم يتحقق مرادها إلى الآن. ففي أثناء الانتخابات البرلمانية الأخيرة، عَلِق العراق قرابة العام في فراغ دستوري لم يفلح في الخروج منه إلا بالعودة إلى المحاصصة، باستثناء التيار الصدري الذي تصدَّر الانتخابات وقرر الانسحاب من البرلمان. وقد أثَّر ذلك على الجيش النظامي الذي بات مُتَّهما بأنه جيش كتلة رئيس الوزراء القادم أيًّا كان اسمه، وكأنه كيان عسكري آخر وطرف في اللعبة السياسية، لا مؤسسة عسكرية تُمثِّل كيان الدولة العراقية وتسمو فوق الجميع. لم يعد أمام الجيش حاليا في رحلة البحث عن ذاته إلا أن يخوض معركته مع الحكومة لكي لا تُخفِّض مخصصاته المالية بدعوى عدم حاجة البلاد إلى الحرب في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة. في الوقت الذي يسعى فيه للخروج من مظلة الدعم الأميركي، وتنويع مصادر تسليحه بشراء أنظمة دفاعية متطورة من دول مختلفة، بما في ذلك مقاتلات رافال الفرنسية وطائرات مُسيَّرة ومدفعية متقدمة والمزيد من الدبابات الروسية "تي 90" (التي يستخدمها بالفعل)، وفقا لما نشره موقع "ديفِنس نيوز" الأميركي. وقد أكَّدت وكالة أنباء العراق الرسمية تلك الأخبار عن مصدر أمني، وأشارت إلى خطط لزيادة الدبابات والفرق والكتائب من أجل تعزيز قدرات الجيش العراقي بمساعدة دول عديدة، منها روسيا وفرنسا وباكستان. الخلاصة هي أن الجيش العراقي طالما نُظر إليه بعين الريبة من قِبَل جيرانه، الذين لا يزالون متوجِّسين من قيامه مرة أخرى، فهو بالنسبة لإيران عدو محتمل قد يحظى بدعم خصمها السني الكبير ممثلا في السعودية، التي دعمته في الماضي ضد النظام الإيراني أثناء الحرب العراقية-الإيرانية الطويلة في ثمانينيات القرن الماضي. بيد أنه في الوقت نفسه ربما يثير قلق الرياض ودول الخليج العربية إذا ما سيطرت عليه الأغلبية الشيعية القريبة من طهران في نهاية المطاف. وسط كل ذلك، لا يزال مطلوبا من الجيش العراقي نفسه أن يكون جيش العراق الموحَّد، وليس مجرد واحد من كيانات عسكرية متنافسة، وهي مهمة عصيبة في ظل هيمنة الميليشيات الأقوى منه سياسيا وعسكريا حتى اللحظة، وهي كيانات لا مصلحة لها على الإطلاق في قيام الجيش من جديد.